مقتطفات من رسائل وليد أبو دقة
مقتطفات من رسائل وليد أبو دقة، أسير منذ العام 1986 إلى اليوم.
من يوقف الزمان فهذا دمي الذي ينزف لا الدقائق , و تلك روح رفاقي التي تحلق لا عقارب الساعة
قيل، "لا يقطع النهر مرتين" واللحظة لا تتكرر، والزمان ينساب في علب المكان، والمكان يتآكل فلا تتشابه الأيام والسنين.
لكن نهر السجون،يقطع آلاف المرات ويقطعنا بزمانه ومكانه كسكين مثلوم.
علب السجون، مستنقع للزمان آسنة، فحين يصبح للزمان مستنقع يغدو له رائحة الموت وللموت رائحة الموت ولا شيء غير ذلك."
إن الكف عن الشعور بالصدمة والذهول، إن الكف عن الشعور بأحزان الناس.. أي ناس؟ وإن تبلد المشاعر أمام مشاهد الفظائع.. أي فظائع؟
كان بالنسبة لي هاجسًا يوميًا، ومقياسي لمدى صمودي وصلابتي. إنّ الإحساس بالناس وبألم البشرية هو جوهر الحضارة، جوهر الإنسان العقلي هو الإرادة، وجوهره الجسدي هو العمل، وجوهره الروحي هو الإحساس، والإحساس بالناس وبألم البشرية هو جوهر الحضارة البشرية.
وهذا الجوهر بالذات هو المستهدف في حياة السجين على مدار الساعات والأيام والسنين، أنت لست مستهدفًا ككائن سياسي بالدرجة الأولى، وأنت لست مستهدفًا ككائن ديني أو كائن استهلاكي تمنع عنه ملذات الحياة المادية. قد تتبنى أي قناعة سياسية تريد ويمكنك أن تمارس شعائرك الدينية، وقد يتوفر لك الكثير من الاحتياجات الاستهلاكية، لكن يبقى المستهدف بالدرجة الأولى الكائن الإجتماعي والإنسان فيك..
المستهدف هو أي علاقة خارج الذات، أي علاقة يمكن أن تقيمها مع البشر والطبيعة بما فيها حتى علاقتك بالسجان كإنسان.. إنهم يفعلون كل شيء ليدفعونا كي نكرههم.. المستهدف هو الحب وذوقك الجمالي والإنساني.
إن مسيرة النضال هي ذاتها مسيرة المعرفة فهي مسيرة باردة يعتريها الشعور بالوحدة والخوف من المجهول. في حالة السجن كما في حالة الحصار، قمة النضال هو أن تبقى قادرًا على السؤال، وأن تكون مستعدًا حتى للنوم في فراش أسرك.
فلاحاً وما زلت بطبعي .. وإقتصاديات السوق الحديث تربكني فأطوي في صحيفتي اليومية ملحقها الإقتصادي جانباً دون أن أبذل عناء النظر فية
لا قرشا أبيض ادخرة ولا أفهم بالسوق السوداء ..
ورفيقي في الزنزانة المقابلة عتق في أقبية السجن منذ أكثر من عشرين عاماً
يتلهي بحرية تأبى أن تأتي ...
فيحلم بالأونة الأخيرة أحلام يقظة ويتسائل ؛ " تعرف شو أكتر شي مشتئلة برى ؟ أو حتى ممكن يبكيني !
إنو واحد يسئلني سؤال في امر عادي جدا ؛ يسئلني مثلا : معك فراطة ؟
مش مهم يكون معي أو ما يكون , المهم يسئلني ؛ من زمان ما حدا سئلني إزا معي فراطة . "
رفيقي يحلم بالفراطة بعد أن فرط عمرة لأيام وأشهر وسنين , موزعة على السجون نفحة جنوباً حتى شطة شمالاً. ورفيقي هذا قليلا ما يتكلم.. حديثه القليل معتق كجسده وروحه، تكفي كلمات قليلة ليثير مخيلتك وينقلك إلى عوالم أخرى، كنبيذ بجودة عالية؛ رشفة واحدة تكفي لحديث طويل ومعمق.
وها انا من الساعة المتأخرة من الليل أحاور الورق , غدا هو اليوم الاول من أيام العيد الذي لم أحتفظ لة بملابس جديدة منذ 24 عاماً
ولا املك مالا لأفرطة ولا حلوى لأوزعها على الأطفال ؛ لكني ما زلت مؤمنا بالإنسان وبالمنفيين وبمن يقتاتون على الذاكرة حتى وإن جفت حلوتهم وخوت أمعائهم
يرضعون الغيم ويلعقون ملح الكف وهم ينثرون ورد العمر على قارعة طريق الفقراء والمقهورين غير نادمين .
إن مسيرة النظال هي نفسها مسيرة المعرفة فهي مسيرة باردة يعتريها الشعور بالوحدة والخوف من المجهول , في حالة السجن كما في حالة الحصار قمة النظال ان تبقى قادراً على السؤال , وأن تكون مستعدا حتى للنوم في فراش أسرك
أعترف الآن وفي عامي العشرين من الأسر بأني ما زلت لا أحسن الكراهية، ولا الخشونة والفجاجة التي قد تفرضها حياة السجن.. أعترف بأني ما زلت إنسانًا ممسكًا على حبه قابضًا عليه كما لو كان الجمر، وسأبقى صامدًا بهذا الحب، سأبقى أحبكم، فالحب هو نصري المتواضع والوحيد على سجاني.
القصيدة مسموعة من هنا
القصيدة مسموعة من هنا
Comments
Post a Comment